المال الحرام جذب أطناناً من الأسلحة ومئات البلطجية إليناعلىّ أن أعترف بأن علاقتى "الوجدانية" ببورسعيد ملتبسة إلى حد كبير
لأسباب عدة. فأنا من جيل ولد فى بورسعيد، غير أنه عاش سنوات مراهقته
وشبابه الباكر خارجها، بسبب التهجير الإجبارى لسكان منطقة قناة السويس
عام 1969، ثم استمر فى الإقامة خارجها أثناء الدراسة الجامعية.
وما إن أُتيح لنا الاستقرار فى بورسعيد أوائل ثمانينيات القرن الماضى
حتى جابهتنا "المنطقة الحرة" بسعارها وما فرضته من سلوكيات صادمة
لأفكارنا وتصوراتنا ذات الملمح اليسارى.
ففى 17 و18 يناير 77 عمت احتجاجات الجياع أنحاء مصر،
وكانت بورسعيد الاستثناء النادر، فلم تخرج فيها مظاهرة ولم يحتج أحد،
وإن كانت لم تحرم من القبض على بعض أبنائها!
وفى بيتنا القديم، ظل دولاب الملابس لسنوات طويلة يحمل تذكاراً من معركة 56.
كان هنالك ثقب أحدثته رصاصة اخترقته حيث كانت معارك المقاومة
تدور بين بيوت بورسعيد.
بورسعيد "هبة الجمرك". ذلك ما أصبحت عليه المدينة منذ سنوات،
وأصبح التهريب الجمركى وبيع البطاقات الاستيرادية امتيازاً
لعدد من أبناء بورسعيد والوافدين عليه والمنتمين للتيارات السلفية.
وتقليدياً كانت بورسعيد – لأسباب جغرافية وربما تاريخية –
فى ذمة المحافظين العسكريين وأمن الدولة .
و كانت كل الوجوه المسموح لها بالطفو على سطح الحياة العامة فى المدينة
إما عملاء رسميين لأمن الدولة أو "متفاهمين" مع هذا الجهاز،
وفى أعقاب 25 يناير 2011 نجح ممثلون للمعارضة الرسمية ومخبرون سابقون،
مع قلة وعى الشباب، فى تفكيك ائتلاف شباب الثورة، وشهد مقره
قبل أن يتم غلقه اعتداء "ناشط" بسلاح أبيض على "ناشط" آخر.
لزمن طويل، ظل بعض التجار الفاسدين والسياسيين المحليين
يغذون النعرة "الشوفينية" بين أبناء بورسعيد
لتحقيق مكاسب اقتصادية واستجلاب جماهيرية.
ومن هناك راج الزعم باضطهاد بورسعيد،
واستمر المستفيدون فى إحداث الضجيج حول هذه الأكذوبة
لتحقيق مزيد من المكاسب: ترويج مبيعات وزيادة قيمة الحصص الاستيرادية
والسماح بالمزيد من التهريب الجمركى.
ومع وجود المال السهل، والمكاسب الحرام، اجتذبت بورسعيد أطناناً من الأسلحة
ومئات من المغامرين والبلطجية،
وأضحت اليوم المدينة تعوم فوق بحيرة من السلاح والمخدرات،
وتشكلت ما يشبه المليشيات الأهلية غير المسيسة والمدعومة من أباطرة التهريب.
وظهرت قوتها فى النجاح فى غلق ميناء بورسعيد منذ أشهر
لمدة جاوزت الشهر، وإخراج حاويات البضائع المستوردة بكاملها
دون إخضاعها لأى تفتيش ودون سداد رسوم.
فمنذ أحداث المجزرة البورسعيدية يرفعون شعاراً واحداً وهو أنهم أبرياء.
وغازلتهم كل القوى السياسية المحلية، وبالتالى فإن العدالة
من وجهة نظرهم هى فقط القضاء بالبراءة.
ابتسم بأسى صديقى الشاب "أسامة جوهر"، وهو يقص علىَّ
كيف سار فى مظاهرة من أيام ليفاجأ بأن المتظاهر الذى يسير إلى جانبه
هو أحد البلطجية، الذين طالموا تعدوا عليه بالضرب
حينما كان يتظاهر ضد العسكر و ضد الدستور!.
السيد زرد - محام - مدير مركز مساواة لحقوق الإنسان
المصدر: الأهرام العربى